"لا أحد في مأمن".. موجة الحر الأوروبية تكشف هشاشة الأنظمة الصحية أمام تغير المناخ

"لا أحد في مأمن".. موجة الحر الأوروبية تكشف هشاشة الأنظمة الصحية أمام تغير المناخ
موجة حر في أوروبا - أرشيف

شهدت دول شمال أوروبا، التي عُرفت تاريخياً بمناخها البارد، صيفاً غير مسبوق في شدته، حيث ضربت موجة حر طويلة في يوليو النرويج والسويد وفنلندا، مسجّلة أرقاماً قياسية في درجات الحرارة، وملحقة أضراراً واسعة بالبشر والحياة البرية والاقتصاد.

في فنلندا، تجاوزت الحرارة 30 درجة مئوية طوال 22 يوماً متتالياً، بينما شهدت السويد 10 ليالٍ استوائية متعاقبة لم تنخفض فيها الحرارة عن 20 درجة مئوية. وخلص تحليل أجراه فريق "وورلد ويذر أتريبيوشن"، بقيادة البروفيسورة فريدريك أوتو من إمبريال كوليدج لندن، إلى أن الاحتباس الحراري الناجم عن حرق الوقود الأحفوري جعل موجة الحر هذه أكثر احتمالاً بعشر مرات على الأقل، ورفع شدتها بدرجتين مئويتين مقارنة بما كانت ستكون عليه في مناخ ما قبل الثورة الصناعية.

تسببت الحرارة في اكتظاظ المستشفيات وإلغاء بعض العمليات الجراحية، وسُجلت أكثر من 60 حالة غرق نتيجة الإقبال على السباحة، فيما انتشرت الطحالب السامة في البحيرات والبحار، كما اندلعت مئات حرائق الغابات، وتعرضت حيوانات الرنة للنفوق أو اضطرت للتجول داخل المدن بحثاً عن الظل.

وأكدت مايا فالبيرغ من مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر أن هذه الظروف تهدد أيضاً نمط حياة مجتمعات السامي الأصلية.

أبعاد صحية أخرى

ولم تتوقف الأزمة عند الحدود الشمالية، فمن ألمانيا إلى إيطاليا، برزت أبعاد صحية أخرى لموجات الحر، إذ تحدث طبيب الأعصاب الألماني فلوريان راكرز عمّا يسميه بـ"طقس السكتة الدماغية"، مشيراً إلى أن بعض الأيام الحارة، خاصة مع ارتفاع الرطوبة فوق 80%، تشهد زيادة في حالات السكتة الدماغية والصداع النصفي ونوبات الصرع بنسبة تصل إلى 50%، بحسب دراسة أجريت على أكثر من 600 مريض.

ويصف راكرز الحرارة بأنها "القطرة التي تفيض الكأس" بالنسبة للأشخاص ذوي القابلية المسبقة للإصابة.

ووفقا لتقرير أعده موقع "دويتشه فيليه"، أشارت إحصاءات صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" إلى أن موجات الحر الشديدة التي شهدتها ألمانيا في 2003 و2018 تسببت في وفاة نحو 10 آلاف شخص مبكراً، وهو ما يضع هذه الظواهر في مصاف "الكوارث الصحية الصامتة" التي لا تحظى بالاهتمام الكافي.

أما صحيفة "لاستامبا" الإيطالية فسلّطت الضوء على الطابع الاستثنائي لموجة الحر الحالية التي ضربت وسط وجنوب أوروبا، مشيرة إلى أنها جاءت مبكّرة وبقوة غير معتادة، مما يزيد من صعوبة التكيف معها.

وترى الصحيفة أن الحل يكمن في استراتيجية مزدوجة: تقليل الانبعاثات بشكل جذري لتفادي السيناريوهات المناخية الكارثية، وفي الوقت نفسه تطوير خطط للتكيف مع الظواهر المتطرفة كالعواصف والسيول والحر الشديد.

تحدٍ مزدوج لأوروبا

تكشف هذه الموجة الحارة، الممتدة من الدائرة القطبية شمالاً إلى البحر المتوسط جنوباً، عن تحدٍ مزدوج لأوروبا: من جهة، اختبار قدرة أنظمتها الصحية على حماية الفئات الأكثر هشاشة في ظل ارتفاع درجات الحرارة؛ ومن جهة أخرى، اختبار الإرادة السياسية لاتخاذ خطوات جذرية في خفض الانبعاثات.

بينما يحذر العلماء من أن موجات الحر ستتكرر بمعدل خمسة أضعاف بحلول 2100 إذا استمر الاحترار العالمي على المسار الحالي البالغ 2.6 درجة مئوية، تبقى استجابة القارة العجوز رهينة معارك سياسية واقتصادية، فيما يزداد خطر أن تصبح هذه الموجات عنواناً دائماً لصيف أوروبا.

وعلى الصعيد السياسي، تحاول المفوضية الأوروبية مواجهة هذه التحديات بوضع أهداف أكثر طموحًا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ففي الثاني من يوليو اقترحت المفوضية خفضًا ملزمًا بنسبة 90% بحلول عام 2040 مقارنة بمستويات عام 1990، كخطوة في طريق الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أقرّ سابقًا هدفًا بخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول نهاية هذا العقد، لكن المقترح الجديد يرفع سقف الطموح بشكل كبير، ورغم ذلك، تواجه هذه الخطط مقاومة متزايدة من معارضي سياسات المناخ، الذين يرون أنها قد تعوق النمو الاقتصادي، خاصة منذ دخول قانون المناخ الأوروبي حيز التنفيذ عام 2021.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية